أسباب الهدر للمدرسي وانعكاساته و تعريفه

الرايس
0
تقديم
يظل الهدر المدرسي إحدى الخصائص الهيكلية التي تطبع النظام التعليمي المغربي، وهذه الظاهرة تعد من أكبر المعيقات التي تعرقل تطور العملية التعليمية بجميع مراحلها، والتي  تسببت في نزيف كبير للموارد البشرية، وهي ظاهرة مركبة تشمل مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.


وقد لاحظت العديد من الدراسات أن ظاهرة الهدر المدرسي تنتشر أكثر بالوسط القروي، تليه  الأحياء الشعبية، أي الأحياء الهامشية والفقيرة بالوسط الحضري،  مما يعمق من نتائجه الخطيرة، مثل انتشار الأمية والبطالة والجريمة في المجتمع وهدر الموارد المالية للدولة، كما يؤدي  حتما إلى الانحراف والتهميش والإقصاء واستغلال الأطفال في سوق العمل قبل سن الخامسة عشرة.
وقد كشفت الأرقام الرسمية أن ظاهرة الهدر المدرسي في تصاعد متزايد، في السنوات الأخيرة ، لذلك فمن المرتقب أن يكون هذا الملف حاضرا في مشروع الإصلاح القريب الذي تباشره وزارة التربية الوطنية.
 وبناء عليه، فقد  ارتأيت من خلال هذا المقال تسليط الضوء عن هذه الإشكالية، التي بلا شك تؤرق بال المسؤولين عن القطاع التربوي في بلادنا، وذلك لإبراز أبعاد هذه الظاهرة وتلمس أسبابها ، مع وضع بعض المقترحات الكفيلة بالتصدي لها أو الحد منها.
الفرع الأول: تعريف الهدر المدرسي
مهما تعددت الأسماء واختلفت المفاهيم والمصطلحات حول الهدر المدرسي، فإن هذه الظاهرة تحمل مدلولات ومسميات أخرى كالتسرب والفشل المدرسي، والتخلف الدراسي، والانقطاع المدرسي، وعدم التكيف الدراسي..، وكثير من المفاهيم التي تعد حقلا خصبا لسوسيولوجيا التربية هي نتيجة واحدة لشيء واحد، هو ترك الدراسة قبل إنهاء مرحلة معينة، وهي آفة تسائل الدولة والمجتمع، بل تسائل السياسة التعليمية ببلادنا ككل.
  لذا ينبغي علينا أن نعترف أننا أمام ظاهرة تؤرق المجتمعات العربية بشكل عام، والمغرب بشكل خاص،  وتساهم في عدم  تطور الفرد بل المجتمع برمته، فهي من العوامل القادرة على  شل حركة المجتمع ووضعه في دائرة التخلف والتقهقر، بعيدا عن مواكبة لغة العصر في التقدم والانفتاح  .
الفرع الثاني أسباب الهدر للمدرسي وانعكاساته.
تبين الإحصائيات الرسمية  الصادرة عن وزارة التربية الوطنية، والتي أجريت خلال سنة 2008 أن أكثر من 300.000 ألف تلميذ وتلميذة من الفئة العمرية (6-15سنة ) ينقطعون سنويا عن الدراسة [1]، هذا الأمر الذي يتسبب في تأخر التعليم من جهة ، وفي الرفع من نسبة الأمية  من جهة ثانية ، والتي تصل نسبتها إلى حوالي 34% حسب الإحصائيات  الرسمية[2] ، بينهم أكثر من مليون طفل يتراوح عمرهم 9 و14 خارج المدرسة لا يعرفون القراءة والكتابة. كل هذا يجعل بلادنا تحتل مراتب متدنية في مؤشرات التنمية البشرية بالرغم من المجهودات المبذولة .
  فالهدر المدرسي يشكل آفة تؤثر سلبا في تنمية مجتمعنا، حيث أظهرت دراسة من طرف المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 أن التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة بعد أربع سنوات يؤولون إلى الأمية، مما يشكل استنزافا للموارد البشرية والمادية للبلاد، إذ يمكن تقدير تكلفة عدم التمدرس والانقطاع عن الدراسة بنسبة 2%من الناتج الداخلي الخام، وهذه الظاهرة كما أسلفنا تنتشر بالعالم القروي، مما يستنزف التقدم الذي تحقق  في تقليص الفوارق في نسب التمدرس بين الوسطين الحضري والقروي، وبين الجنسين فمعدل تمدرس الفتيات بين 12 و14 سنة من العمر لم يتجاوز %43 في الموسم الدراسي 2006-2007 مقابل %75 كمعدل وطني بالنسبة لهذه الفئة العمرية. وتضاف فئات التلاميذ المنقطعين عن الدراسة، إلى صفوف المستهدفين  ببرامج محاربة الأمية وبرامج التربية غير النظامية، التي تبقى المسلك الوحيد لإعادة الإدماج في المنظومة ، علما أن الطاقة الاستيعابية لاستقبال المستفيدين من هذه البرامج لا تكفي آلاف المنقطعين عن الدراسة.
 في خلاصة تقرير منظمة اليونسكو، وهي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة،   والصادر سنة 2014، جاء فيه أن المغرب احتل المرتبة ما قبل الأخيرة عربيا في عدد الخريجين. كما أن 10% من الأطفال لا يلتحقون بالمدرسة، و حوالي 34.5 % فقط هي نسبة التلاميذ الذين يلتحقون بالتعليم بالثانوي، هذا بالرغم  من  كل الإمكانيات التي توظف في قطاع التربية والتعليم، والتي تفوق 5 % من الدخل العام للبلد.
أما عن أسباب الهدر المدرسي، فتتنوع بين أسباب اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، ونفسية، وتربوية،  وجغرافية
أولا: الأسباب الاجتماعية والثقافية
 وتتجلى في العوامل والأسباب التالية:
§  الغياب المتواصل للآباء عن البيت، العنف داخل الأسرة، الانحراف الأخلاقي لبعض التلاميذ والتلميذات ( التعاطي للتدخين والمخدرات..)
§  أمية الآباء، غياب علاقات التواصل مع الأسرة، رفض بعض الآباء لتمدرس الفتاة (خوفا من تعرضها للتحرش الجنسي، أو من صدور أعمال عنها قد تسيء إلى سمعة العائلة …)
§  سيادة بعض الأفكار الخاطئة حول تدريس الفتاة القروية، حيث ترى بعض الأمهات أن البنت يجب أن تتعلم الأعمال المنزلية وبعض الأنشطة الممارسة في المنطقة، وهذا كفيل لها بحياة زوجية ناجحة أما الدراسة فهي شيء ثانوي.
§  مسألة الزواج المبكر، والتي تعد من بين الأسباب التي توقف مسيرة الفتاة الدراسية عند مراحلها الأولى.
     أما الأسباب الثقافية فتتعلق أساسا بنظرة السكان القرويين للمدرسة، فالعادات والتقاليد تلعب دورا هاما، فقد نجد أسرا أحيانا  تشجع أبناءها وبناتها  على التمدرس خلال المرحلة الابتدائية فقط.  
 ثانيا: الأسباب الاقتصادية
 وتتجلى في الفقر والحاجة، والدخل المحدود للأسر، وضعف الموارد المالية للتكفل بدراسة الأبناء. هذا إضافة إلى تشغيل البعض منهم لأطفاله في أعمال الفلاحة وغيرها من الأعمال وتكليف الفتياة بأعمال البيت، إلى جانب غياب النقل المدرسي أو محدوديته في الوسط القروي.
ثالثا: الأسباب النفسية 
 تتجلى في صعوبات اندماج التلاميذ في المحيط المدرسي، ومدى قابليتهم للانخراط في المؤسسة التعليمية، وصعوبات التعلم لدى العديد منهم.
رابعا : الأسباب التربوية 
 تتجلى هذه الأسباب في النقط التالية:
§  ضعف قدرة بعض التلاميذ على مواكبة وتيرة الدراسة؛
§  تعدد المستويات الدراسية في القسم الواحد في بعض الأماكن من العالم القروي، وكذا الاكتظاظ، الذي يمكن اعتباره ظاهرة عامة بأغلب المؤسسات التعليمية على الصعيد الوطني.
§  عدم ملاءمة المقررات مع خصوصيات الفئات المستهدفة، فضلا عن حالات التكرار المتعددة، وكذا ارتفاع تكلفة التدريس بالنسبة للفئات المعوزة؛
§  سوء العلاقة بين المعلم والمتعلم؛
§  غياب الوسائل البيداغوجية والديداكتيكية؛
§  عدم جاذبية الفضاء المدرسي وقلة الأنشطة المدرسية والترفيهية؛
§  عدم ملاءمة بعض برامج التكوينات الأساسية للأساتذة والمديرين مع متطلبات المدرسة والتلاميذ؛
§  ضعف تغطية المدرسة لحاجيات تمدرس الطفل (الكتب والمعدات المدرسية، عدم توافر المطاعم المدرسية بالعديد من المدارس وخاصة بالعالم القروي، عدم وجود دور الطالبة بالقدر الكافي..)
§  ضعف البنيات التحتية المدرسية، وفي هذا الإطار لا تزال العديد من المدارس  بالمناطق القروية بالخصوص غير مرتبطة بشبكة الماء الصالح للشرب أو لا تتوفر على مرافق صحية ، أو تفتقر للكهرباء. وقليلة هي المؤسسات التعليمية التي تتوفر على سكن مخصص للمدرس ، ومن ثم فإن عددا مهما من المدرسين يزاولون عملهم في ظروف غير ملائمة للعملية التربوية .
§  حالات الغياب المتكررة لدى بعض المدرسين، والتي تعود في الغالب إلى ظروف العمل الصعبة ولاسيما بالوسط القروي (البعد، السكن، النقل، التجهيزات…).
كل هذه الأسباب التربوية التي ذكرناها وأسباب أخرى، تلعب دورا كبيرا في تراجع دور المدرسة ورسالتها التربوية وتفقدها الثقة في المحيط الاجتماعي والأسري، وتخلق نفورا في نفوس التلاميذ الذين يغادرون حجراتها وأقسامها دون استكمال دراستهم.  وهذه الوضعية المقلقة تسائل دور الدولة والوزارة الوصية على القطاع، وكذا دور الجماعات الترابية في توفير بنيات مدرسية  بمواصفات جيدة ولائقة.
خامسا : الأسباب الجغرافية
    تتجلى في بعد المؤسسات التعليمية عن سكن التلاميذ ولاسيما بالوسط القروي، وتشتت السكن، وصعوبة المسالك وانعدامها أحيانا، وقساوة الظروف المناخية خصوصا بالمناطق الجبلية.
Tags

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*