الخيمة : مؤسسة أمازيغية في الصحراء
انتشرت صور جوية لخيمة بنيت بالاسمنت على شكل بوابة لمدينة العيون بالصحراء الأمازيغية المغربية، وفي الحقيقة هي صور جميلة وبديعة تظهر أن المهندسين الذين وضعوا هذا البنيان على شكل مدخل وبوابة، أحسنوا كثيرا في صنعه وبنائه.
والخيمة هي رمز العيش في الصحراء ورمز الثقافة الأمازيغية بها، فهي تحيل على النمطين المتناقضين للعيش في البراري والقفر، وهما نمطي الترحال والاستقرار. وتعرف المجتمعات الأمازيغية التي تعيش في الصحراء من نواحي نول لمطة، (واد نون حاليا) شمالا إلى نهر السينغال جنوبا، ومن المحيط الاطلنتي غربا إلى تخوم بحيرة تشاد شرقا، وهي الصحاري التي يقطنها الامازيغ قديما وحديثا، (أنظر/ ابن بطوطة، ابن خلدون، وحسن الوزان..).
وتسمى الخيمة بالامازيغية أهين ⴰⵀⵉⵏ. وحسب المؤرخ صدقي علي ازايكو فإن تسمية إيزناگن / تصحيف صنهاجة، الذين يعتبرون أكبر تجمع بشري امازيغي يعيش في الصحراء، (أكبر بطون البربر حسب ابن أبي زرع) تتألف من كلمتين وهما إيزن ⵉⵣⵏ و إيگن ⵉⴳⵏ، فحسب تفسير ازايكو دائما، فإن إزن هي في الأصل "إيهن" وتحول الهاء إلى ياز حسب التداول الصنهاجي، إيهن تعني الخيام المصنوعة من الجلد، وإيگن تعني المغارون الذين يقومون بالغارات، ويخلص أزايكو في اجتهاده وتفسيره أن إيزناگن من المحتمل جدا أن تعني المغارون الذين يقطنون في الخيام الجلدية.
وقد اجتهد ازايكو كثيرا في تفسير تسميات المجموعات الأمازيغية عن طريق الاجتهاد في اللغة الامازيغية ثم عن طريق البحث في وظائف المجتمعات والبحث في نحلة العيش وليس في النسب الجينيالوجي الوافد من الخارج وهو اسلوب يعتمد على انتساب المجموعات إلى النسب الابوي وهو ما لم تعرفه المجتمعات الأمازيغية إلا في مراحل حديثة جدا...وهي مجتمعات أميسية بالدرجة الأولى.
وهو ما يظهر لنا بجلاء ووضوح، في تعلق توارگ الهگار بالجدة تينهينان ⵜⵉⵏⵀⵉⵏⴰⵏ التي يعتقدون أنها ينحدرون منها، وتعني تين - هينان "ذات الخيام"، أو الأم التي تقطن في الخيام، واسطورة الملكة تينهينان معروفة في السرديات التاريخية لدى التوارگ خاصة الهگار جنوب الجزائر حاليا، وقد تم اكتشاف قبرها في سنة 1926 من طرف بعثة اركيولوجية تتكون من فرنسيبن وأمريكيين، الذين عثروا على مجموعة من الآثار والمجوهرات والهيكل العظمي للملكة الامازبغية، ونقوش مكتوبة بتيفناغ.. ولاتزال الأبحاث مستمرة في الموقع إلى حد الآن، ويعتبر مزارا تاريخيا وثقافيا في ضواحي مدينة تامنراست.
إن ما يهمنا هنا، هو تسمية الملكة الأمازيغية باسم الخيمة، مما يعني أن هذه الأخيرة (أهين/ الخيمة) كانت لها رمزية كبيرة في الثقافة الأمازيغية بالصحراء، والخيمة لدى التوارگ لها قدسية خاصة، فهي ترمز إلى المرأة / الزوجة، والأسرة. فلا تتشكل الخيمة إلا حين تتزوج الفتاة، وتصنع لها امها خيمة جديدة التي تستضيف فيها زوجها القادم من "إيسوف" ⵉⵙⵙⵓⴼ الذي يعني الخلاء في الصحراء، فالابن حينما يبلغ يغادر خيمة أسرته ويلتحق بالشبان وأقرانه في الصحراء وبجانب المخيم أو في المراعي البعيدة، ولا يشكل خيمة خاصة به إلا حين يتزوج ويلتحق بخيمة زوجته. (أنظر كلودو هاواد وآخرون.)
وفي هذا الصدد، نلاحظ استمرار كلمة/ تسمية أهين او إهين، جمعها إهنان في أسرة ممتدة أو عرش صغير ينتمي إلى مجموعة إبيگاثن داخل اتحادية إمستيتن ب آيت باعمران، و إهنان مفرده أهنان، تعني أصحاب الخيام.
لذلك نجد أن كثيرا من الامازيغ في شمال الصحراء سواء في المغرب والجزائر، يسمون البيت أو الأسرة ب أخام ⴰⵅⴰⵎ و"آيت أخام" خاصة امازيغ الاطلس المتوسط في المغرب، وهم فرع من فروع إيزناگن. فالخيمة/ أخام إهين، يعتبر مؤسسة أمازيغية قديمة جدا،( أنظر سالم شاكر/ لاووست / باسي) وهي تتجاوز بكثير معاني السكن والإقامة والملجأ، فالخيمة حابلة بالرموز الثقافية والاجتماعية والسياسية، وقد افرد باحثون أجانب للخيمة عند امازيغ الصحراء التوارگ، دراسات انثروبولوجية تفسر دلالات ثقافية عميقة للخيمة في القرابة والأسرة وتمثلات الخصوبة، والسياسة وحتى تسيير وتدبير الموارد الاقتصادية، فطريقة تشكل الخيمة تتأسس عليها البنية السياسية وادوار السلطة وممارستها في مجتمع امازيغي يعتمد على الترحال المستمر.
وتتكون الخيمة الأمازيغية في الصحراء حسب طبيعة المجالات الجغرافية، وعادة ما تصنع نساء التوارگ في جلسات معروفة الخيام من جلد الماعز أو من صوف الإبل المنسوج أو من وبر الماعز والاغنام، وكذلك يتم صناعتها من الحصير....
فالخيمة ثقافة ومؤسسة قائمة الذات لدى امازيغ الصحراء.. وهي شيمة من شيمهم.
وما هذه الصورة للخيمة على مقدم تارگا تازگاغت إلا إشارة بسيطة للحضارة الأمازيغية العريقة بالصحراء.
عبدالله بوشطارت.
اعلامي وكاتب.