العقد الديداكتيكي القرائي من الإلقاء إلى التلقي

الرايس

من يقرأ؟

 يحدد العقد الديداكتيكي القرائي المهام والأدوار المسندة إلى كل من المدرس والمتعلم في درس تعليم القراءة، كما يحدد الالتزامات الخاصة بإنجاز هذه المهام من قبل طرفي العملية التعليمية والتعلمية، في وضعيات تواصلية وتبادلية تستعمل فيها النصوص القرائية قاعدة لتدريب المتعلمين على اكتساب معارف ومهارات وقيم.
 ويترتب عن وضوح بنود العقد القرائي، فهم طرفي العقد للمهام والأدوار المطلوب القيام بها، وإنجاز الأنشطة القرائية المقترحة، في وضعيات ديداكتيكية مناسبة تسهم في إنجاح التعاقدات، وتيسر على طرفي العقد الوفاء بالتزاماتهما في تحقيق الكفاية القرائية المستهدفة. 
 ولا نقصد بالعقد الديداكتيكي القرائي في وضعية تدريس القراءة والنصوص أوفي ديداكتيك القراءة، ذلك الميثاق القرائي القائم بين القارئ والنص، أو ما يحصل من تعاقدات صريحة أو ضمنية بين القراء والكتاب، وإنما المقصود ذلك العقد الذي يحدد طبيعة التبادلات التعليمية والتعلمية بين مدرس القراءة ومتعلم القراءة بهدف تحقيق القراءة المرغوب فيها، وتمكين متعلم القراءة من استضمار معارف ومهارات وقيم ترتبط بمجال بيداغوجي هو مجال تعليم القراءة، وبنصوص قرائية هي موضوع للتعلم.
ويمكن أن نطرح سؤال العقد الديداداكتيكي القرائي كالآتي:
من يقرأ؟ وبما أن طرفي فعل القراءة: مدرس القراءة ومتعلم القراءة، يتحددان في الوضعية الديداكتيكية من مواقعهما في شبكة العلاقات الاجتماعية والثقافية، و في المؤسسة التربوية، فإنه يمكن التمييز بين نوعين من العقود الديداكتيكية: العقد الديداكتيكي القرائي الأول يهيمن عليه نشاط مدرس القراءة، والعقد الديداكتيكي الثاني يتمركز حول نشاط متعلم القراءة.
 وتعتبر المواقع التي يحتلها طرفا القراءة في العقدين، المحدد الأساس للأدوار والوظائف والمهام القرائية المسندة إلى كل طرف.

1ـ العقد الديداكتيكي القرائي المتمركز حول نشاط مدرس القراءة

 تتركز بنود هذا العقد الضمنية والصريحة على نشاط مدرس القراءة باعتباره مالكا للمعرفة القرائية ومتملكا للنص موضوع القراءة.
 وتتقابل في هذا العقد، أنشطة مدرس القراءة مع أنشطة متعلم القراءة انطلاقا من تقابل موقعي الطرفين، تقابلا ضديا، يجسد قيما ثقافية واجتماعية قائمة بدورها على بنية ثنائية تقابلية: القوي ~ الضعيف/ العالم ~ الجاهل/ الفاعل~ المنفعل/ الممتلئ ~ الفارغ...
وفي ضوء هذه المواقع المتقابلة تتحدد الأدوار المتقابلة في توزيع أنشطة القراءة بين المدرس والمتعلم.
 ويمكننا رسم هذه المواقع والأدوار في الجدول الآتي:



مدرس القراءة
متعلم القراءة
المواقع
ـ مالك لمفاتيح القراءة الجيدة؛
ـ مصدر للمعرفة القرائية؛
ـ منتج للقراءة؛
ـ فاعل في النشاط القرائي...
ـ فارغ وفاقد للقدرة على القراءة؛
ـ مصب للمعرفة القرائية الجاهزة؛
ـ مستهلك سلبي للقراءة المُعَدًة سلفا؛
ـ منفعل بقراءة المدرس الخبيرة والعارفة...
الأدوار
ـ إيصال المعنى الجاهز إلى القارئ المتعلم؛
ـ تلقين المتعلم آليات القراءة الخطية الجيدة؛
ـ شرح النصوص وتفسيرها، وتبليغ رسالتها؛
ـ تصحيح أخطاء القراءة، ومنع الانحراف عن المعنى الثابت؛
ـ تنميط النشاط القرائي في سلوكات قرائية أحادية وموحدة لدى جمهور القراء المتعلمين...
ـ استقبال المعنى الجاهز وتسجيله وحفظه واستظهاره؛
ـ تحصيل القراءة بوصفها آلة خارجية وأداة لتعرف المعنى والدلالة عليه؛
ـ استهلاك المعنى الذي دل عليه المدرس، وترديد نتائج قراءته؛
ـ الخضوع لنظام المعنى الواحد وسلطة المدرس ووصايته؛
ـ تنمية ردود أفعال متطابقة ومتماثلة تجاه المقروء...
     



وتستند بنود هذا العقد الديداكتيكي القرائي إلى نظريات التعليم التقليدية، القائمة على السلطة المعرفية للمدرس، وحضوره المركزي الطاغي في الدرس، مقابل خضوع المتعلم،وتلقيه الإكراهي للمعرفة من حيث هي معطى موضوعي خارجي وجاهز ينقل من ذات إلى ذات منظور إليها بوصفها وعاء قابلا للملء والشحن بوساطة آليات يتحكم فيها المدرس، وهذه الآليات في الدرس القرائي التقليدي هي آليات الشرح والتفسير، والتفكيك الخطي للنص المقروء جملة جملة وفقرة فقرة بحثا عن الأفكار الواضحة والمعاني المستقرة...

 وأفق هذا النشاط القرائي هو الوصول إلى مضمون واحد يوجه إليه المدرس أنظار تلامذته، ويدلهم عليه، ويروضهم على تكرار عادات وسلوكات قراءته، بتتبع خطوات محفوظة ونمطية، ينتج عنها أمران:
ـ التحكم في قواعد القراءة السليمة والموضوعية بتعلم آليات وسلوكات فك مغاليق النص وشفراته اللغوية؛
ـ الإمساك بالمضمون الصحيح والواحد الذي يكشف عنه النص لكل القراء، في كل الأزمنة والعصور.

 ويؤدي هذا النموذج التعاقدي القرائي إلى إنتاج قراء متعلمين بالمواصفات الآتية:
ـ انتقال التجربة القرائية إليهم عن طريق الترويض على تكرار التجربة القرائية النموذجية الواحدة والموحدة التي يمثلها المدرس؛
ـ تقوية مشاعر الخضوع لسلطة المعنى الثابت، واحتذاء النموذج الموضوعي المكتمل؛
ـ النفور من الاختلاف والتعدد والتنوع والاحتمال والإمكان والانفتاح، والاحتفاء بالتشابه والتطابق والتماثل؛
ـ تقديس النصوص وتمجيد الطرائق المغلقة والآمنة؛
ـ البقاء في موقع الاستهلاك والاستلاب؛ والعجز عن التحول إلى الإنتاج والإبداع؛
ـ حصر الممارسة القرائية التعليمية واختزالها في مجال التعرف والاستيضاح الموجه من قبل المدرس...





Tags